يحمل المكان أناسه ويعبر بهم الزمن وكأنه العلامة الوحيدة الباقية التي تشير إلى الأشياء التي لم تتغير.. الأشياء الأخيرة تدور الأيام ويتغير حال الشارع عبر العقود المتوالية وتتبدل الحوانيت عدة مرات وتتغير البلد والناس وأحوالهم، ولكن مقهى الإسبريسو ظل كما هو لا يآبه بما يدور. وسط البلد تحول من حي…
كانوا مثلهم مثل الأخرون في كل شئ إلا في اللحظات التي يمارس التاريخ فيها هوايته. “كاليميرا خريستوا” “كاليميرا عم صالح” “بوس ايسته؟.. يا سو” “كاكوس.. كاكوس خالص يا عم صالح” “يا جدع أحمد ربنا مره في حياتك” يهمهم الخواجة “الجريكي” ويجلس على أول مقعد يقابله، بعد أن صده عم صالح…
لكل حضور بدايات بعيدة ونهايات قريبة جدا.. أقرب من ما تستحق. من سيربح في النهاية؟ الجنرال أم الست؟ تتراص ثلاث طاولات يتم ضمهم عند منتصف المكان ويدلف الحضور كلا حسب موعده. تبدأ السهرة اليومية عند الثامنة وتمتد حتى الحادية عشر. الجلسات الأكثر حضورا وصخبا هي تلك التي تأتي يوم الخميس…
يطل العجوز في وجهي مليا ويقول “ياااااه.. أنت؟” نعم، هو أنا. غاب العجوز لسنوات لم نتصادف فيها ولو لمرة ثم عاد ذات مساء ليتطلع إلى. طلب فنجانه وشبك أصابعه وأبتسم إبتسامة طويلة قبل أن يبدأ في إستداركي لحكايته. على وقع غناء أم كلثوم يحكي ويسأل عن رفاقه الذي لم يتبقى…
أكثر من عشرون عاما، كانت تلك هي المسافة الأطول في الحياة التي قطعتها بصحبة شئ ما. مقهى الإسبريسو سكن في جزء كبير من حياتي وراودني عن الكثير من الأحدث والأشخاص. مقهى الإسبريسو لم يكن مجرد مقهى بالنسبة لي كما لم يكن الإسبريسو مجرد مزاج يومي، هذا المكان صنع في داخلي…
الإسبريسو… هذا الغامض المستتر في عالمه الداكن العميق، هذا العنيد الذي يطرق كل أبواب الخلايا فيوقظها من ثباتها البعيد. أسود قاتم يعتمر قبعته البنية ويتطلع نحوك بأناقة وثقة. مهر أسود جامح، تمطيه فيعدو بك نحو الأرض التى تشرق عندها خيوط الضوء. الإسبريسو هو أسطورة العبق وخرافة الرائحة المنتشية فى الأركان،…