نحن لانروى سوى الأشياء التى نفهمها، أما ما لا نفهمه فيبقى معلقا في مكان ما بداخلنا لا يمر ولا يخرج. نحن لا نروى سوى أطراف القصة التى لا تريد أن تكشف أغوراها. نعدو خلف الكلمات في سباق أبدي فلا هي تسقطنا ولا نحن نرويها كما يجب أن تكون.
لا يمل الكاتب كلماته حتى تستنزفه سطرا فسطرا. لا يفهم الكاتب حكاياته سوى عندما تراوده عن نفسه وعن أوجاعه. يقع تحت سطوتها وتجره معها نحو ما تريده منه، تستغله وتطوعه وتسلسله، لا لكي يفهم بل لكي يروى. لكي يفرغ من نهاية ما ينتظرها الأخرون ولكنها لا تنهيه. نهاية تشبه وداع في محطة قطار. وداع يحملك لوجهات أخرى متعاقبة. رحلة تلو رحلة وأنت على قضبان الكتابة، تغادر في كل محطة نهاية وتلتقي في كل محطة سطرا يسطو على أفكارك ويجرك نحو قصة جديدة.
على أطراف الحكاية تطلق العنان وترتحل قلقا ما بين ذكريات ما مررت به وما تسعى إليه من أحلام ولكنك قد نسيت أن الحكاية نفسها لم تكن كذلك. لقد صارت القصة كما يجب أن تكون. أنها تريد نفسها هكذا وسوف تقتنع أنت أيضا بكل هذا وستظل تكتب وتكتب…
لن نعرف ما نكتبه، لقد كان الغريب الذي توقف وأستل سيجارة وظل يحكي. يحل الوعي من سلاسلة الطويلة ويمضي نحو الحدود المفتوحة. هنا نقف لنعرف تلك الأشياء التي بقيت غامضة طوال العمر. هنا نعرف أنفسنا من جديد ونكتشف أننا كنا دوما شيئا أخر. لقد تشوشت الرؤية وسبحنا في الضباب لعقود وكنا نظن أننا كنا نعرف.
قبل أن نفهم علينا أن ننتظر طويلا.. أطول مما قد نستطيع تحمله أحيانا.. هناك تلك الحواف التى يجب أن نبلغها ثم نسقط لنتحطم على صخور شواطئنا قبل أن نفهم من نحن ومن كنا طيلة الوقت. في داخلنا دائما ما نخبئ أنفسنا. نخبئ هذا الشخص الذي نخشى عليه من أثر الأيام. نتركه حتى يصير غريبا وغامضا. يراقبنا من الداخل ويتحرك معانا في صمت. يعرف كل حكايتنا ولا نتحدث إليه.
تدق الساعة لتعلن بلوغ الليل منتصفه وأنا أجوب طرقات المنزل أبحث عن لاشئ. يروادني ذلك الحدس كسرب من طيور مرق من شرفة البيت. يطل الغريب ويحكي وأنا أدون خلفه. لم يحكي الغريب القصة التي أريدها.. لم يحكي القصة الجميلة.. كان يحكي عن ذكريات حزينة وأحلام ضائعة.